Random Posts

    Grab this Widget

Monday, May 11, 2020

علاج جروح الأم ليس مسئولية الطفل




كانت صديقتى تايلر على علاقة بأمها. ليست علاقة رومانسية ولكنها علاقة نادرة. لقد نشأت وأنا أحسدها على قربها من أمها، أردت أما مثلها أستطيع أن أتكلم معها عن الأولاد، و أذهب للحفلات معها، و أحكى معها عن أصدقائى، كنت أعتقد أنه أمر رائع أنهما يعرفان أسرار بعضهما البعض. كانت تايلر وأمها فعلا أصدقاء حميمين، ولم أكن أرى أى جانب سىء قى وقتها. ولكن بينما كنا جميعنا نكبر وننضج ونضع حدودا ومساحات بيننا وبين أبائنا وأمهاتنا ، لم يبدوا على علاقة تايلر وأمها أى تغيير
. لقد أحتكرت مدام تايلور حقوقا كثيرة فى مجموعتنا حيث كان من الأغلب أن يكون لديها مخططات مع أبنتها بدون اعتبار لأى خطط مسبقة نكون قد اتفقنا عليها مسبقا، وحيث كانت تجبر تايلر على قضاء عطلات نهاية الاسبوع فى البيت بدلا من الذهاب خارجا مع أصدقائها. وعندما وصلنا للسن القانونى لشرب الكحوليات، تطورت الامور بين الاثنين. فبدلا من أن تقضى تايلر معنا أجازة الربيع فى كابو، قضتها مع أمها فى رحلة بحرية مخصصة للأزواج للجزر البهاما. كانت الامور تصبح غريبة حتى أن تايلر بدأت تلحظ أن هناك شيئا خطأ.
لم نلحظ خطورة الوضع الا عندما جربت تايلر المواعدة. فلقد أقنعتها أمها بأنه لا يوجد حدود بينهما، حتى فى الامور المتعلقة بالحب. وأعتنقت أمها المذهب القائل بأن " اذا كان الولد لا يستطيع التعامل معنا ككيان واحد، فهو اذا ليس هو الشخص المناسب" . وعندما واجهتها تايلر بعدم قدرتها على أحترام حدودها، انفتحت أبواب الجحيم. فظلت الام تعدد كل دولار أنفقته ، كل ليلة لم تنمها، كل علامة فى جلدها وكل تضحية قدمتها حتى تربى ابنتها جيدا. فكيف تجروء تايلر أن تكون ناكرة للجميل هكذا؟ خاصا أن أمها هى التى بقيت معها على عكس الأب الذى رحل. ألم تستحق الام شيئا فى مقابل كل ذلك؟
فى الحقيقة الأمرليس هكذا....
الاسائه العاطفية هو ذلك نوع من الاساءات التى يتعرض لها الطفل من الاهل عندما يقع على عاتقه مهمة الدعم النفسى والعاطفى للشخص راشد، تلك المهمة التى كنت من الطبيعى أن تكون مهمة شخص راشد آخر. تلك الاسائة يمكن أن تكون فى شكل أخذ النصيحة من طفل فى أمور تتعلق بالكبار، أو استخدام الطفل لرفع معنويات الشخص الراشد واعطائه احساس بالاهمية، أو جعل الطفل مسئولا عن حل الازمات وتقديم العلاج اللازم، أو مثلما حدث فى قصة تايلر،أن تكون العلاقة مثلما هى العلاقة بين أصدقاء حميمين وليس بين أم وابنتها. على عكس الاسائات الجنسية، هذه  لا تكون ذات طبيعة جنسية، ولكن الآثار العاطفية والنفسية لا يمكن انكارها. يمكن أن يكون الوالد فى هذه الظاهرة من نفس جنس الطفل او عكسه ، ويمكن أن يكون الوالد متزوج أو مطلق، حيث يختفى الحد الفاصل بين دور الوالد كولى أمر ودوره كصديق. ومن المعتاد فى تلك الحالات أن يشعر الطفل أنه محاصر بين احساسه بالمسئولية واحساسه بثقل الحمل على عاتقة. وحيث يقوم الطفل بدور فرد من الأبوين، فانه يفقد تماما جوهر كينونته كطفل. قد لا نلحظ الاثار المدمرة لتلك العملية  عندما نرى طفلا جميلا ذو 5 أعوام يعتنى بأمه المكلومة بعد جلسة المحكمة، ولكن يصبح الوضع أكثر وضوحا عندما نرى شخصا يبلغ من العمر 30 عاما ولا يقدر على الارتباط بسبب قلقه من الابتعاد عن الوالد المتعلق به.
تخيل هذا، طفلا صغيرا يجد أمه تبكى بشدة على سريرها، فيقترب منها مرعوبا حتى يعزيها . يقول الطفل "لا تبكى يا أمى ، فأنا أحبك جدا. اذا توقفتى عن البكاء سأعطيك كل ألعابى" ثم يحتضنها. فتنظر الأم اليه وتقول " شكرا يا عزيزى، أنت دائما تجعل ماما أفضل بالفعل" . ثم تمسع دموعها قائلة :" ماما ليست حزينة الآن، هى فقط احتاجت حضنا مثل هذا". ثم يخرج الطفل فخورا من الغرفة ويذهب ليشاهد الكرتون، فهو قد أنقذ اليوم وأصلح ما كان خطأ بأمه ، والعالم أصبح كما يرام.. أو هكذا يبدوا.
تكمن المشكلة فى الاعتداء العاطفى فى انه ليس صادم او عدوانى مثل الاعتداء الجنسى. فأغلبنا لن يفكر مرتين عندما يرى طفلا يواسى احد أبويه عند مروره بوقت صعب، لكن عندما يصبح من العادة أن يتدفق تيار المواساة والتعزية من الطفل الى الوالد\ة وليس العكس، فأن ذلك يتضمن أن الحفاظ على صحة وسعادة الاب او الام هو مسؤولية الطفل دائما. دعونا نتفق على ان مشاعرنا ليست مسؤولية أناس آخرون، و نحن نتعلم ذلك عن طريق مشاهدة الوالدين يمثلون نضوجا نفسيا وتعبيرا سليما عن مشاعرهم. ولكن عندما يخفق الوالدين فى تعليمنا ذلك، نصارع نحن مع النضوج الوجدانى والمسئولية.
فى كل مرة نرمى حمل مشاكل الراشدين على الاطفال، او حتى عندما نجعلهم حكاما بيننا فى خلافاتنا، فاننا نعلمهم انهم مسئولون بصفة تامة عن سعادتنا واستقرارنا النفسى. وعندما يكبرون ويقبلون على المواعدة والحب، فانهم اما يبحثون عن اشخاص فقراء عاطفيا، او يتجنبون الارتباط النفسى الحميم من اصله. حيث يكبر الاطفال ليصبحوا راشدين مقدمين للرعاية اكثر من راشدين محبين لانفسهم، او راشدين مستغلين عاطفيا للآخرون .
تربت صديقتى مع والدتها منذ تركهما والدها. اعلم كم هو من الصعب تربية طفل واحاطته بالحب ،ولكن غياب الأب ليس خطأ الطفل وليس مسئوليته أيضا. لقد أقنعت الأم نفسها ان ابنتها قد ولدت من أجل تعزيتها والتخفيف عنها فى ذلك الوقت من الحزن والألم، فأن الله قد أعطاها تلك الطفلة كهدية. لقد كانت تايلر تمثل الالهاء الذى كانت تحتاجه امها بعيدا عن التركيز فى تعافيها من جروحها وألمها الشخصى. حيث كان من السهل التصديق بأن الحل لأزمتها هو طفلا بين ذراعيها معطيا اياها كل الحب ولا يمكن أن يتخلى عنها. لقد جعلت من طفلتها صديقة حميمة عابثة بكل الحدود بين دورها كأم ودورها كمرشدة ، فهكذا تتجنب الم الجروح القديمة.
وبينما تتهرب الأم من تعافيها اغفلت القدرة على التعامل مع تلك الاساءة لطفلتها. لقد اختارت تهدئة جروحها فى مقابل الصحة النفسية لعائلتها، ورغم انها قد لا تعى الاثار المضرة لاختيارها ذلك ، الا ان تلك الأثار صارت متجسدة فى طفلتها.و بدلا من تعلم التألقلم مع جروحها والتعامل مع مشاعرها استخدمت والدة تايلر السيطرة العاطفية على ابنتها. بل على العكس، علمت نفسها أن المشاعر والتعبير عنها هى وسائل لتحقيق غايتها، الا وهى تسديد احتياجاتها من الناس من حولها. حتى أن تايلر نفسها تعلمت أنها من الممكن أن تعهد الى أى شخص آخر بتسديد احتياجاتها حتى وان كان ذلك الشخص هو طفلها، فالأولوية العليا هى لتسديد الاحتياجات. وان لا ضرر من تبادل الدعم العاطفى مع طفليها فى مقابل انها اوجدته الى الحياة وانها تعطية الطعام والمأوى.
أتعاطف مع صديقتى ومع من مثلها ممن يواجهون مشاكل وتحديات كثيرة فى علاقاتهم بالجنس الآخر بسبب شغل والديهم لمساحة عاطفية ونفسية أكبر مما يجب من حياتهم. سيظل الانسان (رجلا كان أو امرأة) يورث تلك الساءة لابنائه طالما لم يتعامل مع ازمته الأصلية، فاذا لم نعترف لأنفسنا بأننا مسئولون عن تعافينا الشخصى والتعامل مع جروح ماضينا، سنظل نلقى بذلك الحمل على أقرب الناس لنا. الطفل ليس مسئولا عن شفاء أباه أو أمه أو أى شخص آخر. ليس مسئولا أن يريح أحد والديه عندما يتخذ قرارا خاطئا. وبالتأكيد ليس مسئولا عن مساعدة أحد والديه فى أن يتعامل مع الألم الناتج عن علاقاته الفاشلة.
نحتاج أن نتعامل مع الناس الذين تربطنا بهم علاقات مسيئة حتى وان كانوا والدينا. يجب أن نكون قادرين على كسر تلك الدائرة المفرغة، حتى وان كانت تلك الدوائر فى بيوتنا.



No comments:

Post a Comment